32- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ متفق عليه.
شرح الحديث:
قوله: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن... إلخ)): كلمتان خبر مقدم، مبتدؤه: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وفي تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر، حَسُن تقديمه؛ لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقًا؛ قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).
قوله: (حبيبتان إلى الرحمن)؛ قال الحافظ ابن حجر: وخص لفظ الرحمن بالذكر؛ لأن المقصود من الحديث بيان سَعة رحمة الله - تعالى - على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل.
قوله: (خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان)؛ قال الحافظ ابن حجر: وصفهما بالخِفة والثِّقَل؛ لبيان قلة العمل وكثرة الثواب.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال:
"هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر، إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال؛ كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا تظن أن من أدْمن الذِّكر، وأصرَّ على ما شاءه من شهواته، وانتهَك دين الله وحُرماته، أنه يلتحق بالمطهَّرين المقدَّسين، ويبلغ منازلهم بكلامٍ أجراه على لسانه، ليس معه تقوى ولا عمل صالح".
(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم):
المعنى: أُنزِّه اللهَ عن كل ما لا يليق به؛ قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعلٍ محذوف تقديره: سبَّحت الله سبحانًا، كسبَّحت الله تسبيحًا، ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا، وهو مضاف إلى المفعول؛ أي: سبَّحت الله، ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل؛ أي: نزَّه الله نفسه، والمشهور الأول، وقال - في قوله: (وبحمده) -: قيل: الواو للحال، والتقدير أُسبِّح الله متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل: عاطفة، والتقدير: أُسبح الله وأتلبَّس بحمده.
قال الحافظ ابن حجر فيما نقَله عن شيخه أبي حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح، قال: (وهاتان الكلمتان ومعناهما، جاء في ختام دعاء أهل الجنان؛ لقوله - تعالى -: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
من فقه الحديث:
♦ الحث على المواظبة على هذا الذكر، والتحريض على ملازمته.
♦ إثبات صفة المحبة لله تعالى.
♦ الجمع بين تنزيه الله - تعالى - والثناء عليه في الدعاء.
♦ بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأُمته الأسباب التي تُقربهم إلى الله، وتُثقل موازينهم في الدار الآخرة.
♦ إثبات الميزان، وجاء في بعض النصوص إثبات أن له كِفَّتين.
♦ إثبات وزن أعمال العباد.
♦ التنبيه على سَعة رحمة الله؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل.
♦ الإشارة بخِفة هاتين الكلمتين على اللسان إلى أن التكاليف شاقَّة على النفس، ومن أجل ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((حُجبت الجنة بالمكاره، وحُجبت النار بالشهوات)).
وقد جاء عن بعض السلف التعليل لثِقَل الحسنة وخِفة السيئة، فقال:
"لأن الحسنة حضَرت مرارتها وغابت حلاوتها؛ فلذلك ثَقُلت، فلا يَحملنَّك ثِقَلها على ترْكها، والسيئة حضَرت حلاوتها وغابَت مرارتها؛ فلذلك خفَّت، فلا تَحملنَّك خِفتها على ارتكابها".