بين علم الفتوى و فقه الفتوى
تعريف العِلْم :
لُغةً : يطلق على المعرفة والشّعور والإتقان واليقين .
واصطلاحاً : هو حصول صورة الشّيء في العقل .
تعريف الفِقه :
لُغةً : العلم بالشّيء والفهم له ، والفطنة فيه ، وغلب على علم الدّين لشرفه ، وقيل : هو عبارة عن كلّ معلوم تيقّنه العالم عن فكر .
واصطلاحاً : هو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة المكتسب من أدلّتها التّفصيليّة .
تعريف الفَتْوى :
لغةً : اسم مصدر بمعنى الإفتاء ، والفتيا : تبيين المشكل من الأحكام ، ويقال : أفتيت فلاناً رؤيا رآها ، إذا عبّرتها له.
و اصطلاحاً : تبيين الحكم الشّرعيّ عن دليل لمن سأل عنه وهذا يشمل السّؤال في الوقائع وغيرها .
(( الموسوعة الفقهية : حرف العين و الفاء ))
ليس كل من أفتى فقِهَ المسائل ، ولكن فقه الفتوى : فهم ثاقب ، وعقل راجح ، ونور بصيرة ، وتأييد رباني ، يغوص الفقيه في بحار المسائل ليخرج الدّر ، ويبين الساحل للسائل .
وهذه نماذج من فقه الفتوى والمعرفة .
بين صحابيين :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ ، فَقُلْتُ : لَوْ رَأَيْتَنِى خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَيُحَدِّثُنِى عَنِ التَّوْرَاةِ ، فَقُلْتُ لَهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِىَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ ابْنَ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِى الصَّلاَةِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ». قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ يَوْمٌ فِى كُلِّ سَنَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ كَذَبَ كَعْبٌ. قُلْتُ ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ فَقَالَ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ فِى كُلِّ جُمُعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : صَدَقَ كَعْبٌ إِنِّى لأَعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ ، فَقُلْتُ يَا أَخِى حَدِّثْنِى بِهَا. قَالَ هِىَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « لاَ يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِى الصَّلاَةِ ». وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّاعَةَ صَلاَةٌ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ صَلَّى وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ لَمْ يَزَلْ فِى صَلاَتِهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ الصَّلاَةُ الَّتِى تُلاَقِيهَا ». قُلْتُ بَلَى. قَالَ فَهُوَ كَذَلِكَ.
(( رواه النسائي ، وابن ماجة ))
تزبّبتَ قبل أن تُحصرمْ :
لما جلس أبو يوسف رحمه الله للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة رحمه الله ، أرسل إليه أبو حنيفة رحمه الله رجلاً فسأله عن خمس مسائل :
الأولى : قصار جحد الثوب و جاء به مقصورا هل يستحق الأجرة أم لا ؟ فأجاب أبو يوسف: لا يستحق الأجر ، فقال له الرجل : أخطأت ، فقال : لا يستحق ، فقال : أخطأت ، ثم قال له الرجل : إن كانت القصار قبل الجحود استحق ، وإلا لا .
الثانية : هل الدخول في الصلاة بالفرض أم بالسنة ؟ فقال : بالفرض ، فقال :
أخطأت فقال : بالسنة ، فقال : لا أخطأت ، فتحير أبو يوسف ، فقال الرجل : بهما لأن التكبير فرض ورفع اليدين سنة .
الثالثة : طير سقط في قدر على النار فيه لحم ومرق : هل يأكلان ؟ أم لا ؟ فقال : يؤكل فخطأه ، فقال : لا يؤكل فخطأه ، ثم قال : إن كان اللحم مطبوخا قبل سقوط الطير يغسل ثلاثا و يؤكل و ترمى المرقة ، وإلا يرمى الكل له .
الرابعة : مسلم له زوجة ذمية ماتت وهي حامل منه ، تدفن في أي المقابر ؟ فقال أبو يوسف : في مقابر المسلمين ، فخطأه فقال : في مقابر أهل الذمة فخطأه ، فتحتر أبو يوسف ، فقال الرجل : تدفن في مقابر اليهود ، ولكن يحول وجهها عن القبلة حتى يكون وجه الولد إلى القبلة ، لأن الولد في البطن يكون وجهه إلى ظهر أمه .
الخامسة : أم ولد لرجل تزوجت بغير إذن مولاها فمات المولى ، هل تجب العدة من المولى ؟ فقال : تجب فخطأه ، ثم قال : لا تجب فخطأه ، ثم قال الرجل : إن كان الزوج دخل بها : لا تجب ، و إلا : وجبت . فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة رحمه الله فقال : تزببت قبل أن تحصرم .
((الأشباه والنظائر : لابن نجيم ))
رؤية صادقة ولكن ..
وقع في زمن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال له : اذهب إلى موضع كذا فاحفره ، فإن فيه ركازاً { الرِّكَازُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ الْمَالُ الْمَدْفُونُ } فخذه لك ، ولا خمس عليك فيه . فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره ، فوجد الركاز .
فاستفتى علماء عصره : فأفتوه بأنه لا خمس عليه ، لصحة الرؤيا .
وأفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام : بأن عليه الخمس ، وقال أكثر ما ننزل منامه منزلة حديث روي بإسناد صحيح ، وقد عارضه ما هو أصح منه ، وهو الحديث المخرج في الصحيحين في الركاز الخمس ويقدم عليه .
(( تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك : للسيوطي ))
أربعمائة قاضٍ غلطوا فيها :
هذه مسألة ذكر الغزالي في الوسيط : أنه قضى فيها أربعمائة قاضٍ وغلطوا ، وصورتها ابنة اشترت أباها فعتق عليها ، ثم اشترى الأب ابناً فعتق عليه، ثم اشترى الأب عبداً فأعتقه، ثم مات الأب، فورثه الابن والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم مات العبد المعتق، فلمن يكون ولاؤه؟ وفرضها المالكية على غير هذا الوجه وهي مشهورة.
قال الشيخ المقرئ الأديب محمد بن أحمد المعافري فيها :
|
إذا مـا اشـتـرت بـنـتٌ أبـاهـا فعتقـهـابنفـس الشـرا شرعـاً عليـهـا تـأصّـلا |
وميراثـه إن مـات مـن غيـر عاصـبومـن غيـر ذي فـرضٍ لهـا قــد تـأثـلا |
لها النصف بالميراث والنصف بالولافــإن وهــب ابـنـاً أو شــرّاه تـفـضـلا |
فأعتـق شرعـاً ذلــك الابــن مــا لـهـاسـوى الثلـث، والثلثـان لـلأخ أصــلا |
وميـراثـهـا فــيــه إذا مــــات قـبـلـهـاكميراثهـا فـي الأب مـن قـبـل يجتـلـى |
ومولى أبيها ما لهـا الدهـر فيـه مـنولاء ولا إرث مـــــع الأب فـاعـتـلــى |
|
(( نفح الطيب : للمقري التلمساني ))
منقوووووول